السبت، 25 نوفمبر 2017

الدولة ورغبات المواطن

هفال زاخويي  

أثبتت التجارب السياسية وتجارب ادارة الدول في الشرق الأوسط صعوبة انبثاق دولة مواطنة حقيقية قائمة على أساس العدل والمساواة وذلك بسبب عوامل عدة منها العامل الإيديولوجي (القومية، الدين، المذهب)، إذ أنَّ الدول القائمة في الشرق الأوسط عبارة عن مجتمعات مركبة معقدة تفتقر الى ثقافة الإندماج والعيش المشترك والسلم المدني، وذلك عائد الى الأرث التاريخي للمكونات الاجتماعية التي تحتويها هذه الدول، فأغلب هذه الشعوب ما زالت تعيش في قوقعة التاريخ، كما أنَّ النخب السياسية التي تمثل هذه المكونات تغذي الظاهرة التاريخية ( قومية كانت أو دينية) لدى جماهيرها وتدفعها باتجاه عدم مغادرة التاريخ، وهذا ما يوُلِّد خلافات عميقة وتصدعات خطيرة بين مكونات الدولة الواحدة، تلك المكونات التي يحركها قادةٌ محركون يمتلكون القدرة على التأثير في سايكولوجيتها التي تدفعها باتجاه رفض الآخر بل والغائه الى درجة تؤدي إلى نشوب صراعات خطيرة قد تكون مكبوتة ومخفية تحت الرماد لكنها تنفجر في لحظة ما، وهذا الأمر بحد ذاته يدل على اعتناق النخب السياسية للبراغماتية بأعلى درجاتها بحيث أنها ترى نجاح العمل – ولو على المدى القصير- المعيار الوحيد للحقيقة، في حين أنَّ معيار الحقيقة هو أبعد ما يكون عن أفكار وأداء هذه النخب التي فشلت في بناء دولة المواطنة التي هي في الأصل (دولة المؤسسات)
.
العراق هو من ضمن الدول المركبة اجتماعياً، فهو بوصفه دولة مكونات اجتماعية قومية ودينية ومذهبية و فئوية، حالها حال أغلب الدول في عالمنا الحديث، وهذا مما لايُعاب، فهذا قدر البلدان، لكن الذي يُعاب هو الخلل في الأداء السياسي والنظرة الى الآخر المختلف، وبطريقة سلبية، الى حدٍ غدت هناك صورة نمطية سلبية لكل مكون عند المكون الآخر بفعل السياسات الخاطئة التي أدارت بها النخب السياسية هذا البلد، تلك النخب التي لم تقدر لحد الآن مثلاً على تأسيس حزب وطني عراقي يضم أفراداً من كل المكونات العراقية وعلى قدم المساواة وبعيداً عن الانتماء القومي والديني والمذهبي والمناطقي، وعند المحاججة من قبل أحد كي يفند هذا الكلام من خلال الاستشهاد باليسار العراقي، فأعتقد أن اليسار هذا أيضاً لم ينجح في التخلص من تلك الرواسب الآنفة الذكر والتي هي رواسب تاريخية لا يمكن للرفاه الفكري المساهمة في التخلص منها، بخاصة أنَّ اليسار في العراق أيضاً وقع في أفخاخ ( القومية والطائفية) وإنْ كان ذلك غير معلن.

ما الحل...؟
.........
سيكون ضرباً من الجنون في حال التفكير بأنَّه سيكون هناك معنى للحياة دون وجود الآخر المختلف ( قومياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً وحتى قبلياً) فهنا نحن أمام مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي مسألة (الهوية والآخر)، إذ ليس بالإمكان أن تكتشف ذاتك بغياب الآخر أو تغييبه، وليس بمقدورك أن تشعر بوجودك دون رؤيتك للآخر المختلف، والإختلاف سمة انسانية واضحة المعالم، لذلك سيكون عصياً على العقل تقبل مفهوم العيش بمعزل عن الآخر كفرد، ولإنْ لم يكن عصياً على العقل فالممارسة الحياتية ستثبت ذلك، كذا الحال وكذا القاعدة تنطبق على الجماعات البشرية، والتي تكمن جمالية حياتها في اختلاف مشاربها وأنماط حياتها وتنوع طقوسها، ولكن ليس في وحدة هدفها ألا وهو العيش بسلام ومودة ووئام.
هنا يقع العبء الأكبر على عاتق النخب السياسية بكل انتماءاتها، فهذه مسؤوليتها حالياً لتقريب وجهات النظر والعمل على التدشين لخطاب وطني بعيد عن الانتماءات والهويات الفرعية كأساس لتأسيس دولة المواطنة مع الإيمان والاعتقاد بحقوق المكونات في ممارسة حياتها وطقوسها ومعتقداتها وخصوصيتها ضمن اطار دولة يسودها العدل وتسودها المساواة، ولكن لماذا القول بأنَّ هذا الجهد يجب أن تقوم به النخب السياسية في العراق؟ فالجواب ذو شقين ولا أبت بالشق الأول في حين أعتقد جزاماً بالشق الثاني:
أولهما: ما زلنا نفتقر إلى حركة فكرية واعدة عابرة للهويات الفرعية قادرة على تأسيس الدولة المدنية والتي هي دولة المؤسسات وبالتالي دولة المواطنة القائمة على أساس العدل والمساواة.
ثانيهما: تهميش واقصاء الطاقات الفكرية والثقافية من قبل النخب السياسية التي ما زالت في مجملها راديكالية رافضة لمبدأ التفكير في اجراء أي مراجعة في نظمها الداخلية وبرامج عملها (إنْ كانت لديها برامج).


ضرورة الإصلاح:
...........
عندما تكون لديك في بلدك هيئة للنزاهة، فالبضرورة في بلدك فساد، وإلاَّ فما الحاجة الى هيئة كهذه؟! لقد طالت المرحلة الانتقالية في العراق، إذ بدأت منذ تشكيل مجلس الحكم (ثاني هيئة ادارية) بقرار من سلطة الائتلاف الموحدة التي كان يديرها بول بريمر، وقد تشكل مجلس الحكم في 13 يوليو 2003، ومنذ ذلك الحين ولحد الآن ما زال العراق يمر بمرحلة انتقالية شديدة الصعوبة والتعقيد نظراً لتعقد خارطته السياسية وموقعه الجغرافي اضافة الى المعادلات والتوازنات الدولية وما تبع ذلك من حروب وظهور تنظيمات ارهابية ما زال العراق يواجه شرها وهذه المرحلة يصاحبها الفساد في كل مفاصلها، وقد أدت هذه التعقيدات الى تلكؤ تبني مبدأ العدالة الانتقالية مما عقد الأمور أكثر فأكثر، لذا فإنَّ التركة الثقيلة للسياسات الخاطئة والعرجاء للنظام الديكتاتوري السابق ما زالت تثقل كاهل العراق، لذلك كان لزاماً أن تتبنى النخب السياسية بخاصة التي تستلم دفة الحكم أن تتبنى نهج الاصلاح وتكون لها برامج واضحة وجريئة وفاعلة للتدشين في مشروع اصلاحي واسع وعلى جميع الأصعدة التشريعية والتنفيذية والقضائية والمجتمعية والتربوية، وفي هكذا حال، (أي من خلال تبني نهج الإصلاح وكذلك التأسيس لدولة المواطنة على أساس مبدأ الحقوق والواجبات والعقد الاجتماعي بين الدولة وبين المواطن، وتبني النظم الحديثة في ادارة الدولة بخاصة في مجالات الخصخصة، والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، والتوزيع العادل للثروات، والعمل على تنشيط دور الطبقة الوسطى) أعتقد بأنَّ المواطن سيضطر للشعور بالانتماء الحقيقي لبلده ليس على مستوى الشعارات والأغاني الوطنية والقصائد الحماسية، بل على مستوى العمل الملموس، دولة من هذا الطراز ستكون كفيلة بأنْ يلتصق مواطنها بها التصاقاً منقطع النظير، وبعيداً عن الهويات الفرعية التي تقوى دوماً عندما تغيب الهوية الوطنية بسبب السياسات الخاطئة والنفعية للنخب السياسية .


 صباح كوردستان يوم العدد 10
21/11/2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق